فقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113] , وكان سبب نزولها وفاة أبي طالب كما رويناه في "صحيح البخاري" (?)، فكيف يستغفر النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن أبي ولا شك أن وفاته بعد وفاة أبي طالب؟
قلت: قد أذن الله سبحانه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك بما أنزل (?) في "سورة المنافقين"، فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُم} إلى قوله {الْفَاسِقِينَ} [المنافقون: 5 - 6] , ثم خيره الله سبحانه وتعالى في هذه الآية.
فيحتمل أن يكون النهي منسوخًا بهؤلاء الآيات، وهنَّ منسوخاتٌ بقوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84].
ويحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر الاستغفار لأبي طالب، ويكرره بعد الهجرة اقتداء بإبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، كما كان يستغفر لأبيه قبل أن يخبره الله بأن المغفرة لهم متعذرة، وأن استغفاره لهم غير نافع، وكذا استغفاره للمنافقين، ثم نهاه الله عن الاستغفار لهم وقال {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] وقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] الآية.
وهذا عندي أصحُّ وأولى من الأَوَّلِ، ويدلُّ عليه قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113] أي: لا سبيلَ إلى الخُروجِ منها، ومفهومُ الخطابِ يَقْتضي أنه لا حَرَجَ في الاستغفارِ قبلَ التَّبَيُّنِ، ويَدُلُّ