اختلف العلماء في سن ابتداء الحيض وانتهائه، وهل هناك حد لأقل الحيض أو أكثره أو لا؟ فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يمكن الحيض إلا بعد تسع سنين، وهذا كلام الجمهور، والدم الذي يدفعه الرحم بعد تمام خمس سنين أو سبع أو ثمان سنين لا يعتبر حيضاً عندهم.
أما الانتهاء عند الجمهور: فببلوغ المرأة خمسين سنة، وعند ذلك تصبح يائسة؛ لقول الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} [الطلاق:4]، فإذا بلغت المرأة الخمسين ونزل منها الدم فلا يعتبر دم حيض، وأدلتهم في ذلك العادة الغالبة؛ لأن العادة أن البنت لا تحيض إلا عند سن التسع، وأن المرأة ينقطع حيضها عند سن الخمسين، والقاعدة عند الفقهاء: أن العادة محكمة.
ولهم أدلة من السنة: فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة)، فهذا دليل على أنها قبل التسع السنين لا تكون امرأة، أي: لا تكون حائضاً.
وذهب ابن حزم، ورجحه ابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية وهو الراجح الصحيح: أنه لا يصح تحديد سن للجارية، ولا يصح تحديد سن للمرأة الكبيرة، فلو رأت البنت الجارية عند خمس سنين الدم فهو حيض، ولو رأت عند سبع سنين فهو حيض، والمرأة بعد الخمسين إذا رأت الدم فهو حيض؛ لعموم قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222]، فالدم الذي نزل وهو أسود، وله رائحة وهو ثخين، فهو دم حيض، سواء في خمس سنوات أو سبع سنوات، أو نزل من المرأة بعد سن الخمسين.
وأيضاً: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن دم الحيض قال: (دم الحيض أسود يعرف)، ولم يقل: عندما تصل المرأة سن تسع سنين.
والحديث الذي استدل به الجمهور حديث باطل، وقد قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق:4]، أي: انقطع دم الحيض عنهن، ولم يقل: واللائي بلغن الخمسين سنة.
إذاً: العبرة الانقطاع وليس هناك سن محدد لليأس.
وثمرة الخلاف: أننا إذا قلنا بقول الجمهور: بأن الجارية دون التسع سنين إذا نزل منها الدم أنها غير حائض، فهي غير مكلفة، أي: ليس عليها صوم ولا غيره؛ لأنها لم تبلغ سن المحيض، وإذا شتمت أو أخطأت فلا تكتب عليها السيئات؛ للحديث: (رفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم: الصبي حتى يحتلم)، والجارية كذلك، لكن الصحيح الراجح أنه إذا نزل الدم منها ولو كانت بنت ست فهي مكلفة؛ وذلك لحديث عائشة قالت: (عقد عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، ودخل بي وأنا بنت تسع سنين) أي: أنها كانت مكلفة وهي بنت ست.
أما بالنسبة للكبيرة اليائسة، فالثمرة: أنه إذا بلغت المرأة واحداً وخمسين سنة، وحدثت المشاحنة والمشاجرة بينها وبين زوجها، فقال زوجها: أنتِ طالق، فإن عدتها تكون بالشهور لا بالحيض؛ لأن المرأة التي تحيض عدتها كما قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، أي: ثلاث حيض كما سنرجح، وقال تعالى عن المرأة اليائسة التي لا ينزل منها الدم: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق:4]، لكن القول الراجح والصحيح هو خلاف قول الجمهور.
وأما الجواب على استدلال الجمهور بقولهم: العادة محكمة.
فنقول: هذا إذا لم تعارض الشرع، وقد عارضت هنا عموم قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222]، وعارضت قول الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق:4].
وأما الحديث الذي استدلوا به من حديث ابن عمر: (أن الجارية إذا بلغت تسع سنين فهي امرأة) فهو حديث ضعيف لا يحتج به.