نختم اليوم بإذن الله رسالة: إلى كل امرأة، بثلاث مسائل: المسألة الأولى: العدة، هل عدة المرأة إذا طلقت بالأطهار أم بالحيض؟ وهل القرء هو الحيض أم الطهر؟ هذا مأخوذ من قول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، فالقرء اختلف العلماء فيه على قولين: القول الأول: قول مالك والشافعي ورواية عن أحمد قالوا: القرء هو الطهر، وأدلتهم في ذلك من الأثر والنظر: أما الأثر فقول الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] و (اللام) هنا بمعنى: في، ويجوز في اللغة استعارة الحروف بعضها عن بعض، فـ (اللام) تأتي بمعنى (في)، و (في) تأتي بمعنى (اللام)، مع أن بعض أهل اللغة يرفضون ذلك، لكن هذا هو الراجح والصحيح، وهنا لعدتهن بمعنى: في عدتهن.
قوله: ((يا أيها النَّبِيُّ)) وهذا خطاب للأمة ((إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)) أي: في عدتهن، وانظروا إلى وجه الدلالة من هذه الآية، فقد اتفق الموافق والمخالف على أن الطلاق في الحيض لا يجوز، فبالاتفاق أن الطلاق في حال الحيض لا يجوز، فإذا قال الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الطلاق:1] كأن الآية تقول لكم: من التقوى أن تطلقوا النساء في زمن العدة، أي: في الطهر لا في الحيض، فيكون المعنى (في العدة) أي: في الطهر، فهذه فيها دلالة واضحة جداً على أن القرء هو الطهر.
أيضاً من أدلتهم من الأثر: حديث ورد في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أخبره عمر بأن ابنه عبد الله طلق امرأته وهي حائض، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن شاء أمسكها وإن شاء فارقها، وتلك العدة التي أمر الله) أي: أن الطلاق فيها.
ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تطهر ثم تحيض، ثم تطهر، فإن أراد أن يمسكها أمسكها أو فارقها، ويريد هنا: إن أراد الطلاق طلقها في الطهر، وهذه دلالة أيضاً على أن القرء معناه الطهر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: راجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن أردت الطلاق فطلقها في طهرها هذا، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: هذه هي العدة الصحيحة التي تبدأ تحسب منها.
الدليل الثالث أيضاً: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها سئلت عن عدة النساء؟ فقالت: الأقراء، أتدرون ما الأقراء؟ الأقراء: الأطهار.
فجاء التصريح منها بأن القرء هو الطهر.
وأما الدليل من النظر: فقالوا: في اللغة القرء معناه: الجمع، وإذا طبقنا الجمع تقول: قرأت شيئاً، أي: جمعت شيئاً، فتقول: القرء هو الجمع، فقالوا: إن كان القرء هو الجمع، فإن الطهر بمعنى الجمع؛ لأن الحيض: إرخاء الرحم للدم لخروجه، والطهر: جمع الدم في الرحم، فجمع الدم في الرحم يساوي الطهر، ويكون في اللغة القرء، فقالوا: اللغة تساعدنا على أن القرء هو الطهر، وهو: جمع الدم في الرحم، أما الحيض فهو: إرخاء الرحم للدم، فهذا القول الأول هو قول الشافعية والمالكية، ودللوا على قولهم من الكتاب والسنة والنظر.