قال البغوي: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} بالكلام الخفيّ الذي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع. {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} ، يعني: يدخل في الجنّيّ كما يدخل في الإنسيّ، ويوسوس الجنّيّ كما يوسوس الإنسيّ. قال الكلبي وقوله: {فِي صُدُورِ النَّاسِ} أراد بالنّاس ما ذكر من بعد، وهو: الجِنّة والنّاس، فسمّى الجن ناسًا رجالاً فقال: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ} . وقد ذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدّث: جاء قوم من الجنّ فوقعوا فقيل: من أنتم؟ قالوا: أناس من الجنّ. وهذا معنى قول الفرّاء. قال بعضهم: ثبت أن الوسواس للإِنسان من الإِنسان كالوسوسة للشيطان من الشيطان؛ فجعل الوسواس من فعل الجنّة والناس جميعًا، كما قال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} ؛ كأنه أمر أن يستعيذ من شرّ الجنّ والإِنس جميعًا. انتهى. وقال بعضهم: فكما أن شيطان الجنّ يوسوس تارة ويخنس أخرى، فكذلك شيطان الإِنس يرى نفسه كالناصح المشفق.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني لأحدّث نفسي بالشيء لأن أخِرّ من السماء أحبّ إليّ
من أتكلم به، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «الله أكبر الله أكبر، والحمد لله الذي ردّ كيده إلى الوسوسة» . رواه أحمد وغيره. والله أعلم.