مكية، وهي ثمان آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
... {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) }
* * *
عن عبد الله بن الشخير قال: انتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: « {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ، يقول ابن آدم: مالي مالي. وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» . رواه أحمد وغيره، وفي رواية لمسلم: «وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس» . وعن قتادة: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} ، قال: كانوا يقولون: نحن أكثر من بني فلان ونحن أقدم من بني فلان، وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم. وعن علي قال: كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت هذه الآية: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} إلى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} . قال الحسن: هذا وعيد بعد وعيد.
{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} ، قال قتادة: كنا نحدث أن علم اليقين: أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت. قال البغوي: وجواب لو محذوف أي: لو تعلمون علمًا يقينًا لشغلكم ما تعلمون عن التكاثر والتفاخر.
{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} قال البغوي: أي: ترونها بأبصاركم من بعيد ثم لترونها مشاهدة. وقال ابن كثر: هذا تفسير الوعيد المتقدم وهو قوله {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} توعدهم بهذا الحال وهو رؤية أهل النار التي إذا زفرت زفرة واحدة خر كل ملك مقرب ونبي مرسل على ركبتيه من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال.
{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قال قتادة: إن الله عز وجل بمسائل كل عبد عما استودعه من نعمه وحقه.
* * *
مكية وهي ثلاث آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
... {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }
* * *
قال ابن كثير: ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب، وذلك قبل أن يسلم عمرو، فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذا المدّة؟ فقال: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة، فقال: وما هي؟ فقال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ؛ ففكّر مسيلمة هنيهة ثم قال: لقد أنزل عليّ مثلها، فقال له عمرو: وما هو؟ فقال: يا وَبَر يا وَبَر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حقر نقر. ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أنّي أعلم أنّك تكذب.
قال الشافعيّ رحمه الله: لو تدبّر الناس هذه السورة لوسعتهم. وعن ابن عباس في قوله: {وَالْعَصْرِ} ، قال: العصر ساعة من ساعات النهار.
وقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} أي: خسران. {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قال مجاهد: إلا من آمن. {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا