لم يكونوا ... {مُنفَكِّينَ} ، يعني: منتهين حتى يتبيّن لهم الحقّ؛ وهكذا قال قتادة: {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} أي: هذا القرآن، ولهذا قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} ، ثم فسّر البيّنة بقوله: {رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً} ، يعني: محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وما يتلوه من القرآن العظيم الذي هو مكتتب في الملأ الأعلى في صحف مطهّرة، كقوله: {فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} .
وقوله تعالى: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} ، قال ابن جرير: أي: في الصحف المطهّرة {كُتُبٌ} ، من الله {قَيِّمَةٌ} عادلة مستقيمة ليس فيها خطأ لأنها من عند الله عز وجل.
وقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} ، كقوله: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ} ، يعني: بذلك أهل الكتب المنزّلة على الأمم قبلنا، ما أقام الله عليهم الحجج والبيّنات تفرّقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم، واختلفوا اختلافًا كثيرًا كما جاء في الحديث المرويّ من طرق: «أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وأن النصارى اختلفوا على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلا واحدة» . قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي» . انتهى.
قال البغوي: ثم ذكر ما أمروا به في كتبهم فقال: {وَمَا أُمِرُوا} ، يعني: هؤلاء الكفار، {إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} ، يعني: إلا أن يعبدوا الله، {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ، قال