قال ابن كثير: يقول تعالى محتجًّا على منكري البعث في إعادة الخلق بعد بدئه {أَأَنتُمْ} أيها الناس {أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء} ؟ يعني: بل السماء أشد خلقاً منكم، كما قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} . قال البغوي: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء} ، يعني: أخلقكم بعد الموت أشدّ عندكم وفي تقديركم أم السماء؟ وهما في قدرة الله واحد.
قال ابن كثير: وقوله تعالى: {بَنَاهَا} فسّره بقوله: {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} قال مجاهد: رفع بناءها بغير عمد {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} قال ابن عباس: أظلم ليلها، {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} ، قال مجاهد:
نورها. {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} ، قال ابن عباس: وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء، ثم استوى إلى السماء فسوّاهنّ سبع سموات، ثم دحى الأرض بعد ذلك، {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} .
قال ابن كثير: وقوله تعالى: {مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} ، أي: دحى الأرض، فأنبع عيونها، وأظهر مكنونها، وأخرج أنهارها، وأنبت زروعها وأشجارها وثمارها، وثبّت جبالها لتستقرّ بأهلها ويقرّ قرارها، كلّ ذلك متاعاً لخلقه، ولما يحتاجون إليه من الأنعام التي يأكلونها ويركبونها مدّة احتياجهم إليها في هذه الدار إلى أن ينتهي الأمد وينقضي الأجل.
قوله عز وجل: {فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى (36) فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ