كل الأحوال، لأنه لم يزل - صلى الله عليه وسلم - من لدن بعثه الله إلى أن اخترمه في أذى منهم، وهو في كل ذلك صابر على ما يلقى منهم من أذى، قبل أن يأذن الله له بحربهم وبعد إذنه له بذلك.
وقال ابن كثير: وقوله تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} ، أي: اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك واستعجالهم العذاب استبعادًا لوقوعه، كقوله: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} ولهذا قال: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً} أي: وقوع العذاب وقيام الساعة يراه الكفرة بعيد الوقوع، بمعنى: مستحيل الوقوع، {وَنَرَاهُ قَرِيباً} ، قال البغوي: لأن ما هو آت قريب، وهو يوم القيامة.
{يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ} قال مجاهد: كعكر الزيت، وقال قتادة: تتحول يومئذٍ لونًا آخر إلى الحمرة {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} ، قال: كالصوف، {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} يشغل كل إنسان بنفسه عن الناس. وعن ابن عباس قوله: {يُبَصَّرُونَهُمْ} قال: يعرف بعضهم بعضًا، ويتعارفون بينهم، ثم يفر بعضهم من بعض يقول: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} . وقال ابن كثير: وقوله تعالى: {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ} أي: لا يسأل القريب قريبه عن حاله وهو
يراه في أسوأ الأحوال، فتشغله نفسه عن غيره {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ} قال ابن زيد: فصيلته عشيرته {وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ} ذلك الفداء من عذاب الله. قال قتادة: الأحب فالأحب، والأقرب فالأقرب من أهله وعشيرته لشدائد ذلك اليوم.