عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (52) } .
قال البغوي: {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} ، أي: فدعني والمكذّبين بالقرآن وخلّ بيني وبينهم. قال الزجاج: معناه لا تشغل قلبك
وَكِلْهُ إليّ فإني أكفيك أمره {سَنَسْتَدْرِجُهُم} سنأخذهم بالعذاب من حيث لا يشعرون.
وقال ابن جرير: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد - صلى الله عليه وسلم -: كِلْ يا محمد أمر هؤلاء المكذّبين بالقرآن إليّ، وهذا كقول القائل لآخر غيره يتوعّد رجلاً: دعني وإياه، وخلّني وإياه، بمعنى أنه من وراء مساءته. ... {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} ، قال ابن جرير: قويّ شديد. وفي الصحيحين عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} .
قال في جامع البيان: سمّى الاستدراج كيدًا لأنه في صورة الكيد. {أَمْ تَسْأَلُهُمْ} ، يا محمد، {أَجْراً} ، على الهداية، {فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} ، غرامة مثقلون بحملها فلذا يعرضون عنك؛ و (أم) منفصلة والهمز للإنكار {أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ} علم الغيب {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ، فلا يحتاجون إليك وإلى علمك. {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} ، بإمهالهم، {وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ} ، يونس عليه السلام في العجلة والضجر، {إِذْ نَادَى} في بطن الحوت، {وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن