وإن الروح الأمين قد نفث في روعي: إنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقّوا الله وأجمِلوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته» .
قوله عز وجل: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) } .
قال ابن كثير: يقول تعالى مقرّرًا أنه لا إله إلا هو، لأن المشركين الذين يعبدون معه غيره، معترفون بأنه المستقلّ بخلق السماوات والأرض، والشمس والقمر، وتسخير الليل والنهار، وأنه الخالق الرازق لعباده ومقدرّ آجالهم واختلافها واختلاف أرزاقهم، ففاوت بينهم، فمنهم الغنيّ والفقير، وهو العليم بما يصلح كُلاًّ منهم، ومَنْ يستحق الغنى ممن يستحق الفقر، فذكر أنه المستقلّ بخلق الأشياء المتفرد بتدبيرها، فإذا كان الأمر كذلك فلم يُعبد غيره ولم يتوكل على غيره؟ فكما أنه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته؛ وكثيرًا ما يقرّر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية، وقد
كان المشركون يعترفون بذلك، كما يقولون في تلبيتهم: لبيّك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك. انتهى.
وقوله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ