قوله عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) } .
قال البغوي: قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} ، يعني: قوم نوح، وعادًا، وثمود وغيرهم، كانوا قبل موسى، {بَصَائِرَ لِلنَّاسِ} ، يعني: ليبصروا بذلك الكتاب ويهتدوا به {وَهُدًى} من الضلال لمن عمل به، {وَرَحْمَةً} لمن آمن به، {لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} بما فيه من المواعظ والبصائر.
{وَمَا كُنتَ} يا محمد {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} يعني: بجانب الجبل الغربي. قال قتادة، والسدي: قال ابن عباس: يريد حيث ناجى موسى ربه، {إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} يعني: عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه، {وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} الحاضرين ذلك
المقام فتذكره من ذات نفسك، {وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً} خلقنا أممًا من بعد موسى عليه السلام {فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} ، أي: طالت عليهم المهلة فنسوا عهد الله وميثاقه وتركوا أمره، وذلك أن الله تعالى قد عهد إلى موسى وقومه عهودًا في محمد - صلى الله عليه وسلم - والإيمان به، فلما طال عليهم العمر وخلفت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها.