وقوله تعالى: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} ليجمعوا له الجند وقال: {إِنَّ هَؤُلَاء} ، يعني: بني إسرائيل، {لَشِرْذِمَةٌ} طائفة، ... {قَلِيلُونَ} ، قال أبو عبيدة: كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفًا، {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} ، أي: كل وقت يصل إلينا منهم ما يغيظنا، {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} ، أي: مستعدّون، وإني أريد أن أهلكهم، فخرجوا في طلبهم، قال الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ} ، أي: بساتين، {وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} ،
أي: لحقوهم في وقت إشراق الشمس، {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ} ، أي: تقابلاً ورأى بعضهم بعضًا، {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} ، أي: سيدركنا قوم فرعون ولا طاقة لنا بهم، {قَالَ} موسى ثقة بوعد الله إياه {كَلَّا} لن يدركونا، {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} يدلّني على طريق النجاة. {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ} فضربه، ... {فَانفَلَقَ} ، أي: انشقّ، {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} ، أي: كالجبل الكبير. قال ابن عباس: صار البحر اثني عشر طريقًا لكل سبط طريق.
وقوله تعالى: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ} ، أي: قرّبنا هنالك، {الْآخَرِينَ} ، قال قتادة: هم قوم فرعون قرّبهم الله حتى أغرقهم في البحر، {وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} ، قال السدي: ودنا فرعون وأصحابه من البحر بعد ما قطع موسى ببني إسرائيل البحر، فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقًا قال: ألا ترون البحر فرق مني؟ قد تفتّح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم، فذلك قول الله: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} ، يقول: قرّبنا ثَمّ الآخرين، هم آل فرعون، فلما قام فرعون على الطرق وأبت خيله أن تقتحم، فنزل جبرائيل عليه السلام على ماذيانة، فتشامّت الحصنُ ريح الماذيانة، فاقتحمت في أثرها، حتى إذا همّ أولهم أن يخرج ودخل آخرهم، أمر البحر أن يأخذهم، فالتطم عليهم، وتفرّد جبريل بمقلة من مقل البحر فجعل يدسّها في فيه. وقال بكر بن عبد الله: أقبل فرعون، فلما أشرف
على الماء قال أصحاب موسى: يا مكلّم الله إن القوم يتبعوننا في الطريق، فاضرب بعصاك البحر فأخلطه، فأراد موسى أن يفعل فأوحى الله إليه: أن اترك البحر رهوًا إنهم جند