ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنّان أن البكاء فالِقٌ كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني شيء قالت: فتشهّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين جلس ثم قال: «أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب تاب الله عليه» . قالت: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن: والله لقد علمتُ، لقد سمعتم بهذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدّقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدّقوني، ولئن اعترفت بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدّقُنّي، فوالله ما أجد لي ولكم مَثَلاً إلا كما قال أبو يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ، قالت: ثم تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا والله أعلم حينئذٍ أني بريئة، وأن الله تعالى مبرّئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحيٌ يُتلى ولَشَأني كان أحقر في نفسي من أن يُتكلّم فيّ بأمر يُتلى
ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرّئني الله بها، قالت: فوالله ما رام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد، حتى أنزل الله تعالى على نبيّه - صلى الله عليه وسلم - فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى أنه ليتحدّر منه مثل الجُمان من العرق، وهو في يوم شاتٍ من ثِقَلِ القول الذي أنزل عليه، قالت: فسُرِّي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة، أما الله عزّ وجل فقد برّأك» . قالت: فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عزّ وجل، هو الذي أنزل براءتي،