تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} . فسمعوها منه، ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة، فإذا هن في بهو عظيم، مستقبل باب البهو صنم عظيم، إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى بعض، كل صنم يليه أصغر منه حتى بلغوا باب البهو، وإذا هم قد جعلوا طعامًا فوضعوه بين أيدي الآلهة، قالوا: إذا كان حين نرجع رجعنا وقد برَّكت الآلهة في طعامنا فأكلنا، فلما نظر إليهم إبراهيم وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال: {أَلَا تَأْكُلُونَ} ؟ فلما لم تجبه قال: {مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ} ؟ {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} فأخذ فأس حديد فنقر كل صنم في حافتيه ثم علّق الفأس في عنق الصنم الأكبر ثم خرج، فلما جاء القوم إلى طعامهم نظروا إلى آلهتهم {قَالُوا مَن
فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} ، وعن قتادة: {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} ، قال: كادهم بذلك لعلهم يتذكرون أو يبصرون.
وعن ابن إسحاق قوله: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} سمعناه يسبّها ويعيبها ويستهزئ بها، لم نسمع أحدًا يقول ذلك غيره، وهو الذي نظن أنه صنع هذا بها، {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} ، قال ابن إسحاق: بَلَغَ ما فعل إبراهيم بآلهة قومه نمرود وأشراف قومه، فقالوا: {فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} ، أي: ما يصنع به، ولما أتي به واجتمع له قومه عند ملكهم نمرود، {قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} ، غضب من أن يعبدوا معه هذه الصغار وهو أكبر فكسرهّن. وعن قتادة قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} ، وهي هذه الخطة التي كادهم بها.
قال ابن إسحاق: {فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ} قال: ارعووا ورجعوا عنه فيما ادعوا عليه من كسرهّن إلى أنفسهم فيما بينهم. فقالوا: لقد ظلمناه وما نراه إلا كما قال، ثم قالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ} ، أي: لا تتكلم فتخبرنا من صنع هذا بها وما تبطش بالأيدي فنصدقك، يقول الله: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ} في الحجة عليهم لإبراهيم حين جادلهم. فقال عند ذلك