حمراء. قال: «قد رأيته» . وعن الضحاك في قوله: {بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} ، يعني: الجبلين. وهما من قِبَل أرمينية، وأذريبيجان.
قال ابن كثير: وقد بعث الخليفة الواثق في دولته بعض أمرائه، وجهز معه جيشًا سريًا. لينظروا إلى السد ويعاينوه وينعتوه له إذا رجعوا، فتوصلّوا من بلاد إلى بلاد ومن ملُك إلى ملك حتى وصلوا إليه ورأوا بناءه من الحديد
ومن النحاس، وذكروا أنهم رأوا فيه بابًا عظيمًا وعليه أقفال عظيمة، ورأوا بقية اللبن والعمل في برج هناك، وأن عنده حرسًا من الملوك المتاخمة له، وأنه عال منيف، شاهق لا يُستطاع ولا ما حوله من الجبال. ثم رجعوا إلى بلادهم وكانت غيبتهم أكثر من سنتين، وشاهدوا أهوالاً وعجائب. انتهى.
قلت: ولا يشكل على ذلك أن الدول المتأخرة لم تكتشفه، فإنها وإن أعطيت ما أعطيت من القوة والآلة، فلم يبلغوا معشار ما أوتي ذو القرنين، فإن الله يسّر له الأسباب والوسائل لفتح المدائن والأقاليم، وأطال عمره ووسّع ملكه وكسر أعداءه، وسخر له النور والظلمة، فجعلهما جندًا من جنوده. وكان إذا انتهى إلى بحر أو مخاضة بنى سفنًا من ألواح صغار أمثال النعال، فنظمها ثم جعل فيها جميع من معه من تلك الأمم والجنود، فإذا قطع الأنهار والبحار فتقها ثم دفع إلى كل إنسان لوحًا فلا يكرثه حمله، وكان إذا البحر الجامد ألقى عليه ما يذيبه فخاضه، وإذا أراد أن يجمد الماء ألقى عليه ما يجمده فمشي فوقه، وبعث النور والظلمة على ما يريد بحسب حاجته، وذلك مدد من الله تعالى، ويشهد لذلك قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} .
قال وهب بن منبه: ما بين الصدفين مائة فرسخ، فلما أنشأ في عمله حفر له أساسًا حتى بلغ الماء، ثم جعل عرضه خمسين فرسخًا، وجعل حشوه
الصخور، وطينه النحاس يذاب ثم يصبّ عليه، فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض، ثم علاه وشرفه بِزُبَرِ الحديد والنحاس المذاب.