ثم قال:
............. ... وقد بغى واعتديا عبداكا
هذا مثال لإعمال الأول؛ ولذلك أضمر في الثاني فقال: "واعتديا", وهذا المثال متفق على جوازه، ومنع الكوفيون المثال الأول؛ لأن مذهبهم منع الإضمار قبل الذكر في هذا الباب. وحاصل مذهبهم أن الأول إذا طلب مرفوعا لم يجُز إعمال الثاني والإضمار في الأول سواء طلب الثاني مرفوعا نحو: "يحسنان ويسيء ابناكا", أو منصوبا نحو: "ضرباني وضربت الزيدين".
فإن قلت: قد تقدم أن كلا من الفريقين أجاز إعمال الأول وإعمال الثاني, وإنما اختلفوا في الترجيح.
وقد ذكرت أن الكوفيين منعوا إعمال الثاني إذا طلب الأول مرفوعا, فلا يكون الاختلاف في الترجيح إلا مع طلب الأول منصوبا1.
قلت: إنما منعوه إذا أُضمر المرفوع في الأول، وقد أجاز الكسائي إعمال الثاني بشرط حذف فاعل الأول، وأجاز الفراء إعماله بشرط "تأخر"2 فاعل الأول.
فنقول على مذهب الكسائي: "يُحسن ويُسيء ابناك", و"ضربني وضربتُ الزيدين".
وعلى مذهب الفراء: "يحسن ويسيء ابناك هما" و"ضربني وضربت الزيدين هما". وقد أجاز الفراء "أيضا"3 أن يرتفع الاسم بهما في نحو: "يحسن ويسيء ابناك", وقد تقدم "ذكر"4 مذهبه أول الباب 5.
والصحيح ما ذهب إليه سيبويه من جواز الإضمار قبل الذكر في هذا الباب؛ لسماعه.