وأمَّا الخفي: فهو لا يحمل على العمل؛ ولكنَّه بحضور النَّاس يخففه عليه، وقد يخفى؛ فلا يدعو إلى الإظهار بالنطق، ولكن بالشمائل والهيئات.

الثانية: علمنا ممَّا سبق أنَّ الرِّياءَ محبطٌ للأعمال، وسببٌ لمقتِ الله تعالى، وأنَّه من المهلكات، وَمَنْ هذا حاله، فجديرٌ بالتشمير عن ساق الجد في إزالته ومعالجته؛ وذلك بقلع جذوره وأصوله من القلب إنْ كان موجودًا، ومدافعة ما يخطر منه في الحال.

الثالثة: لم يزل المخلصونَ خائفين من الرِّياء الخفي، يجتهدون في مخادعة النَّاس عن أعمالهم الصَّالحة، ويحرصون على إخفائها أعظم ممَّا يحرص النَّاس على إخفاء فواحشهم.

كل ذلك رجاء أنْ يخلص عملهم؛ ليجازيهم الله تعالى يوم القيامة بإخلاصهم.

الرَّابعة: أنَّ في إسرار الأعمال فائدة الإخلاص، والنَّجاة من الرِّياء.

قال الحسن: قد علم المسلمون أنَّ السِّرَّ فيه إحراز العمل، ولكنْ في الإظهار -أيضًا- فائدة القدوة الحسنة؛ ولذلك أثنى الله تعالى على السر والعلانية؛ فقال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271].

الخامسة: قد ينشط الإنسان على الطاعة إذا وجد من يتعبَّدون، فيظن أنَّ هذا من الرِّياء، وليس كذلك على الإطلاق؛ لأَنَّ المؤمن يكون له رغبةٌ في العبادة، ولكنْ قد تُعوِّقه وتمنعه الأشغال، وغلبة الشهوات، وتستولى عليه الغفلة؛ فمبشاهدة الغير تزول الغفلة، أو تندفع العوائق والأشغال في بعض المواضع؛ فيبعث له النشاط.

وينبغي للمؤمن أنْ يُوقن قلبه بعلم الله لجميع طاعاته.

***

طور بواسطة نورين ميديا © 2015