السادس: في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعًا، فإنَّ المؤمن لم يحدث الخطر منه، ولم يتسبب في حدوثه، وإنما كان منه مجرَّد التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه، مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له، والمؤمن لم يبذل عملاً للمستأمن، فكان حرامًا.

وأما ما استدل به المبيحون للتأمين التجاري مطلقًا، أو في بعض أنواعه، فالجواب عنه ما يلي:

(أ) الاستدلال بالاستصلاح غير صحيح، فإنَّ المصالح في الشريعة الإسلامية ثلاثة أقسام:

قسم شهد الشرع باعتباره فهو حجة.

وقسم سكت عنه الشرع فلم يشهد له بإلغاء ولا اعتبار فهو مصلحة مرسلة، وهذا محل اجتهاد المجتهدين.

والقسم الثالث ما شهد الشرع بإلغائه، وعقود التأمين التجاري فيها جهالةٌ وغررٌ وقمارٌ وربًا، فكانت مما شهدت الشريعة بإلغائه؛ لغلبة جانب المفسدة فيه على جانب المصلحة.

(ب) الإباحة الأصلية لا تصلح دليلاً هنا؛ لأنَّ عقود التأمين التجاري قامت الأدلة على مناقضتها لأدلة الكتاب والسنة، والعمل بالإباحة الأصلية مشروط بعدم الناقل عنها، وقد وجد، فبطل الاستدالال بها.

(ج) "الضرورات تبيح المحظورات" لا يصح الاستدلال به هنا، فإنَّ ما أباحه الله من طرق كسب الطيبات أكثر أضعافًا مضاعفة مما حرَّمه عليهم، فليس هناك ضرورة معتبرة شرعًا، تلجيء إلى ما حرمته الشريعة من التأمين.

(د) لا يصح الاستدلال بالعرف، فإنَّ العرف ليس من أدلة تشريع الأحكام، وإنما يبنى عليه في تطبيق الأحكام، وفهم المراد من ألفاظ النصوص، ومن عبارات الناس في إيمانهم، وتداعيهم، وأخبارهم، وسائر ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015