وَاعْلَم أَن الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره من أَئِمَّة النَّقْد لم يتَعَرَّضُوا لِاسْتِيفَاء النَّقْد فِيمَا يتَعَلَّق بِالْمَتْنِ كَمَا تعرضوا لذَلِك فِي الْإِسْنَاد وَذَلِكَ لِأَن النَّقْد الْمُتَعَلّق بِالْإِسْنَادِ دَقِيق غامض لَا يُدْرِكهُ إِلَّا أَفْرَاد من أَئِمَّة الحَدِيث المعروفين بِمَعْرِِفَة علله بِخِلَاف النَّقْد الْمُتَعَلّق بِالْمَتْنِ فَإِنَّهُ يُدْرِكهُ كثير من الْعلمَاء الْأَعْلَام المشتغلين بالعلوم الشَّرْعِيَّة والباحثين عَن مسائلها الْأَصْلِيَّة والفرعية ككثير من الْمُفَسّرين وَالْفُقَهَاء وَأهل أصُول الْفِقْه وأصول الدّين
وَقد وهم هُنَا أنَاس فَظن بَعضهم أَن الْمُحدث لَيْسَ لَهُ أَن يتَعَرَّض للنقد من جِهَة الْمَتْن فَكَأَنَّهُ توهم ذَلِك من جعلهم وَظِيفَة الْمُحدث التَّعَرُّض للنقد من جِهَة الْإِسْنَاد أَنه يمْنَع من التَّعَرُّض للنقد من جِهَة الْمَتْن
مَعَ أَن مقصودهم بذلك بَيَان أَن النَّقْد من جِهَة الْإِسْنَاد هُوَ من خَصَائِصه لعدم اقتدار غَيره على ذَلِك
فَيَنْبَغِي لَهُ أَن لَا يقصر فِيمَا يطْلب مِنْهُ
فَإِذا قُم بذلك فَلهُ أَن يتَعَرَّض للنقد من جِهَة الْمَتْن إِذا ظهر لَهُ فِي الْمَتْن عِلّة قادحة فِيهِ فَحكمه حكم غَيره فَكَمَا أَن غَيره لَهُ أَن يتَعَرَّض للنقد من جِهَة الْمَتْن إِذا ظهر لَهُ مَا يُوجِبهُ فَلهُ هُوَ ذَلِك إِذا ظهر لَهُ مَا يُوجِبهُ بل هُوَ أرجح من غَيره
وَقد تعرض كثير من أَئِمَّة الحَدِيث للنقد من جِهَة الْمَتْن إِلَّا أَن ذَلِك قَلِيل جدا بِالنِّسْبَةِ لما تعرضوا لَهُ من النَّقْد من جِهَة الْإِسْنَاد لما عرفت
فَمن ذَلِك قَول الْإِسْمَاعِيلِيّ بعد أَن أورد الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن ابْن أبي أويس عَن أَخِيه عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ يلقى إِبْرَاهِيم أَبَاهُ آزر يَوْم الْقِيَامَة وعَلى وَجه آزر قترة الحَدِيث هَذَا خبر فِي صِحَّته نظر من جِهَة أَن إِبْرَاهِيم عَالم بِأَن الله لَا يخلف الميعاد فَكيف يَجْعَل مَا بِأَبِيهِ خزيا لَهُ مَعَ إخْبَاره بِأَن الله قد وعده أَن لَا يخزيه يَوْم يبعثون وأعلمه بِأَنَّهُ لَا خلف لوعده
وَقد أعل الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا الحَدِيث من جِهَة الْإِسْنَاد فَقَالَ هَذَا رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن