وليحذر من كتمان شَيْء لينفرد بِهِ عَن أضرابه فَإِن ذَلِك لؤم لَا يصدر إِلَّا من جهلة الطّلبَة الموصوفين بضعَة النَّفس وفاعل ذَلِك جدير بِأَن لَا ينْتَفع بِهِ
قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه قد رَأينَا أَقْوَامًا منعُوا هَذَا السماع فوَاللَّه مَا أفلحوا وَلَا نجحوا
وَقَالَ ابْن عَبَّاس إخْوَانِي تناصحوا فِي الْعلم وَلَا يكتم بَعْضكُم بَعْضًا فَإِن خِيَانَة الرجل فِي علمه أَشد من خيانته فِي مَاله
وَقد رُوِيَ عَن بعض الْأَئِمَّة أَنهم فعلوا ذَلِك وَهُوَ مَحْمُول على كتم ذَلِك عَمَّن لم يروه أَهلا لَا سِيمَا إِن كَانَ مِمَّن يحملهُ فرط التيه والإعجاب على المحاماة عَن الْخَطَأ والمماراة فِي الصَّوَاب
فال الْخَلِيل بن أَحْمد لأبي عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى لَا تردن على معجب خطأ فيستفيد مِنْك علما ويتخذك بِهِ عدوا
وَلَا يقْتَصر على سَماع الحَدِيث وكتابته دون مَعْرفَته وفهمه فَيكون مِمَّن أتعب نَفسه بِدُونِ أَن يظفر بطائل قَالَ الْخَطِيب وَلَو لم يكن فِي الِاقْتِصَار على سَماع الحَدِيث وتخليده الصُّحُف دون التَّمْيِيز بِمَعْرِِفَة صَحِيحه من فاسده وَالْوُقُوف على اخْتِلَاف وجوهه وَالتَّصَرُّف فِي أَنْوَاع علومه إِلَّا تلقيب الْمُعْتَزلَة الْقَدَرِيَّة من سلك تِلْكَ الطَّرِيقَة بالحشوية لوَجَبَ على الطَّالِب الأنفة لنَفسِهِ وَدفع ذَلِك عَنهُ وَعَن أَبنَاء جنسه
وَمَا أحسن قَول الْقَائِل
(إِن الَّذِي يروي وَلكنه ... يجهل مَا يروي وَمَا يكْتب)
(كصخرة تنبع أمواهها ... تَسْقِي الأَرْض وَهِي لَا تشرب)
وليقدم الْعِنَايَة أَولا بِمَعْرِِفَة مصطلح أهل الحَدِيث وَأحسن كتاب ألف فِي ذَلِك كتاب الْحَافِظ أبي عَمْرو عُثْمَان الْمَعْرُوف بِابْن الصّلاح قَالَ مُؤَلفه فِي آخر النَّوْع الثَّامِن وَالْعِشْرين فِي معرفَة آدَاب طَالب الحَدِيث ثمَّ إِن هَذَا الْكتاب مدْخل إِلَى هَذَا الشَّأْن مفصح عَن أُصُوله وفروعه شَارِح لمصطلحات أَهله ومقاصدهم