عن الصحابة رضوان الله عليهم من بعدهم معارضة بعض رواياته بالقياس، وفيما عدا هذه الضرورة فإنهم يعتمدون على روايته هو وأمثاله من الصحابة رضوان الله عليهم، ونحن نفعل كذلك، فقد أخذ أبو حنيفة رحمه الله بقول أنس بن مالك رضي الله عنه في مقدار مدة الحيض وغيره، وكانت درجة أبي هريرة عند أبي حنيفة فوق درجة أنس1.

860- والحق أن هذا الرد ليس مقنعًا أو هو من حسن الأدب فقط، فإنهم بهذا فعلًا ينتقصون من استقامة رواية هذا الصحابي الجليل وأمثاله من الصحابة رضوان الله عليهم، ولو آمنوا حقًّا بحفظهم وضبطهم لما تركوا بعضه رواياتهم، ولما تعللوا بأن روايتهم بالمعنى هي التي أخلت ببعض الروايات، وذلك لأنهم عرب، وخالطوا الرسول صلى الله عليه وسلم مخالطة غير عادية مما جعلهم في مأمن من الخطأ في رواية الحديث.

وقد سبق أن ذكرنا في التمهيد مقدار حيطتهم وحذرهم في الرواية ومظاهر هذا، مما يجعلنا نطمئن إلى أدائهم الصحيح لجميع الأحاديث.

861- وإذا كان بعض الصحابة قد رد بعض رواية أبي هريرة فقد ثبت بالدراسة الموضوعية أنه لم يكن يخطئ فيها، وإنما كانت هناك أسباب أخرى وراء معارضته ورد بعض رواياته. كما بين ذلك الإمام الشافعي وابن حزم. كما ثبت أنه كان من الفقهاء، ولم يعدم شيئًا من أسباب الاجتهاد، وكان يفتي في زمن الصحابة ولم يكن يفتي حينئذ إلا المجتهد الفقيه2.

862- وهذا ما يجعلنا نميل إلى الرواية الأخرى عن الأحناف رواية أبي الحسن الكرخي التي تقول: إن الأحناف يقدمون الخبر على القياس مطلقًا سواء أكان راويه مشهورًا بالفقه أم لا؛ لأننا إذا وثقنا في حفظ الراوي وضبطه فالظاهر في هذه الحالة أنه يروي كما سمع، ولو غير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015