44- ومن هذا أن سبيعة الأسلمية تعالت من نفاسها بعد وفاة زوجها بأيام فمر بها أبو السنابل، فقال: "إنك لا تحلين حتى تمكثي أربعة أشهر، فذكرت ذلك لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: كذب أبو السنابل، ليس كما قال، قد حللت فانكحي"1، ومن ذلك ما روي عن أبي الدرداء أنه قال: "من أدركه الصبح فلا وتر له، فذكر ذلك لعائشة: فقالت: كذب أبو الدرداء، كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يصبح فيوتر"2. ومن ذلك: "أن أسماء بنت عميس كانت هاجرت إلى الحبشة فيمن هاجر، فقال لها عمر، رضي الله عنه: "سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله، صلى الله عليه وسلم، منكم فغضبت، وقالت: كذبت يا عمر3".نقول: إن العرب قد استعملت الكذب بمعنى الخطأ4، ومن هذا قول الأخطل: "كذبتك عينك أم رأيت بواسط".
وقال ذو الرمة: "وما في سمعه كذب".
وفي حديث عروة، وقيل له: إن ابن عباس يقول: إن النبي، صلى الله عليه وسلم، لبث بمكة بضع عشرة سنة، فقال: كذب، أي: أخطأ، وسماه كذبًا، لأنه يشبهه في كونه ضد الصواب، كما أن الكذب ضد الصدق، وإن افترقا من حيث النية والقصد.
واستمع الزبير، رضي الله عنه، إلى أبي هريرة يحدث، جعل يقول كلما سمع حديثًا: كذب.. صدق.. كذب، فسأله عروة ابنه، يا أبت، ما قولك: صدق ... كذب. قال: يا بني، أما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلا شك فيه، ولكن منها ما يضعه على مواضعه، ومنها ما وضعه على غير مواضعه5.