وردت عائشة رضي الله عنها حديث تعذيب الميت ببكاء أهله عليه وتلت قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 1.
الإمام مالك وعرض الحديث على الكتاب:
617- وإذا تركنا الأحناف إلى الإمام مالك رحمة الله عليهم جميعًا -فإننا نجده يلتقي في كثير من الأحيان معهم في هذا المقياس، فيرد بعض الأحاديث؛ لأنها تتعارض مع ظاهر القرآن الكريم أو كما يقول أستاذنا الدكتور عبد المجيد محمود: ذهب مذهبهم مع اختلاف يسير، وقاربهم في عرض أخبار الآحاد على الكتاب2.
فقد رد حديث "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي مخلب من الطير" إذ مشهور مذهبه إباحة أكل الطيور ولو كانت ذات مخلب، وأخذ في ذلك بظاهر القرآن الكريم، وهو قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِير} 3، وترك الحديث لأنه يتعارض مع هذه الآية الكريمة4.
وترك بعض الأحاديث التي تحلل أكل لحوم الخيل؛ لأنها تتعارض مع قوله عز وجل: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} 5 ولم يذكر طعامها، فكان ظاهر القرآن تحريمها.
618- وذكر بعض العلماء أن مالكًا رد حديث: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا إحداهن بالتراب"؛ لأنه يتعارض مع ظاهر
القرآن الكريم، وهو قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} فإباحة ما يصطاده يدل على طهارته، فيرد ما يدل على نجاسته6.
619- ونرجح أن مالكًا لم يرد هذا الحديث، كما سنبين -إن شاء الله تعالى- عندما
نتكلم على عرض خبر الواحد على القياس.