ومثل هذا ما قاله عبد الله بن الإمام أحمد سألته -يعني أباه- عن حديث رواه محمد بن مصفى الشامي عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تجاوز لأمتي عما استكرهوا عليه وعن الخطأ والنسيان". وعن الوليد عن مالك عن نافع عن ابن عمر مثله، فأنكره جدًّا وقال: ليس يروي فيه إلا عن الحسن1. فقد أنكر الإمام أحمد هنا المسند، وذلك لوجود الخطأ فيه وأثبت المرسل، وذلك حتى لا يؤخذ المرسل ليحتج به على أنه مسند مع أنه في الحقيقة ليس مسندًا والأصح أنه مرسل.
وقد كان الإمام أحمد يوثق هؤلاء الرواة المتيقظين الذين يروون المرسل على إرساله والمتصل على اتصاله لا يخلطون بينهما، ويقول: أصح الناس حديثًا عن سعيد المقبري -ليث بن سعد؛ يفصل ما روي عن أبي هريرة -يعني مرسلًا- وما عن أبيه عن أبي هريرة -هو ثبت في حديثه جدًّا2.
574- وقد ثبت عن الإمام أحمد أنه أخذ ببعض المراسيل، الأمر الذي جعل بعض الحنابلة يفهمون منه أنه يأخذ بحجية المرسل مطلقًا ومنهم القاضي أبو يعلى الذي اختار أن يكون الإمام أحمد يحتج بالمرسل. وحجته كما قلنا أن الإمام أحمد أخذ ببعض المراسيل، فقد قال فيما نقله ابنه عبد الله: آخذ بحديث ابن جريح، عن ابن أبي مليكة وعمرو بن دينار، عن النبي صلى الله عليه وسلم في العبد الآبق إذا جيء به دينار.
وحكم على بعض المراسيل بالصحة، فقال: مرسلات إبراهيم لا بأس بها، ومرسلات سعيد ابن المسيب أصح المرسلات3. وقال: وربما أخذنا بالحديث المرسل إذا لم يجيء خلافه أثبت منه4.
575- ومن أجل هذا الفهم من أبي يعلى تكلم على وجه أخذ الإمام أحمد بالمرسل، فقال: إن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ