أخذنا، وما تركوا تركنا1. ولم يكتف بعضهم بأن يعرض الحديث على أئمته، وإنما عرضه على أهل البصر باللغة ليضبطوا ألفاظه، يقول عبد الله بن المبارك: إذا سمعتم عني الحديث فاعرضوه على أصحاب العربية، ثم أحكموه وكان الأوزاعي يفعل ذلك ويعطي كتبه إذا كان فيها لحن لمن يصلحها2.
الأمر الثاني:
مذاكرتها دائمًا حتى تزداد معرفته بها ولا تشرد عنه، قال حماد بن زيد: كنا نخرج من عند أيوب وهشام الدستوائي، فيقول لنا هشام: هاتوها قبل أن تبرد، فنقعد فنتذاكرها بيننا3. ويقول أبو نعيم: لا ينبغي أن يؤخذ الحديث إلا عن ثلاثة: حافظ أمين له، عارف بالرجال، ثم يأخذ نفسه بدرسه وتكريره، حتى يستقر له حفظه4، ويقول جرير بن عبد الحميد: كنا نتذاكر بيننا، ويصحح بعضنا من بعض5، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى: إحياء الحديث مذاكراته، وقال مثل ذلك علقمة6.
الأمر الثالث:
التأمل في هذه المرويات بحيث يصل إلى فهمها وفقهها؛ لأنه إذا حملها دون فهم ربما أدى هذا إلى عدم ضبطها واستقرارها في ذهنه فيؤديها أداء غير صحيح، وهذا هو السر في قول الإمام مالك: "ما كنا نأخذ الحديث إلا من الفقهاء"7. وسأل وكيع بعض أصحابه: أي الإسنادين أحب إليكم: "الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله"، أو "سفيان عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله"؟ فقال: "الأعمش، عن أبي وائل" فقال: "يا سبحان الله!، الأعمش شيخ، وأبو وائل شيخ، وسفيان فقيه،