الناس بعضهم إلى بعض، فلم يفهموا مراده، فلما قضى صلاته قال له على، رضى الله عنه: ما هذا الذى قلته؟ قال: وسمعته؟ قال: نعم، أنا وكل من فى المسجد، فقال: وقع فى خلدى أن المشركين هزموا إخواننا وركبوا أكتافهم، وأنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوه وظفروا، وإن جاوزوه هلكوا، فخرج منى هذا الكلام، فجاء البشير بعد شهر، فذكر أنهم سمعوا فى ذلك اليوم وتلك الساعة حين جاوزوا الجبل صوتًا يشبه صوت عمر يقول: يا سارية بن حصن، الجبل الجبل، فعدلنا إليه ففتح الله علينا.

وأحوال عمر، رضى الله عنه، وفضائله، وسيرته، ورفقه برعيته، وتواضعه، وجميل سيرته، واجتهاده فى الطاعة وفى حقوق المسلمين أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر، ومقصود هذا الكتاب الإشارة إلى بعض المقاصد. ولى الخلافة، رضى الله عنه، باستخلاف أبى بكر، رضى الله عنه، له وكان أبو بكر شاور الصحابة فى استخلافه عمر، فأشار به عبد الرحمن بن عوف، وقال: هو أفضل من رأيك فيه، ثم استشار عثمان ابن عفان، فقال: أنت أخبرنا به، فقال: عِلمى به أن سريرته خير من علانيته، وأن ليس فينا مثله، وشاور معهما سعيد بن زيد، وأسيد بن حضير، وغيرهم من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: وهو أعلم للخير بعدك، يرضى للرضى، ويسخط للسخط، وسريرته خير من علانيته، ولن يلى هذا الأمر أحد أقوى عليه منه.

ثم دعا أبو بكر عثمان بن عفان، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبى قحافة فى آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها حين يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إنى مستخلف عليكم بعدى عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، فإنى لم آل الله ورسوله ودينه ونفسى وإياكم خيرًا، فإن عدل فذلك ظنى به وعلمى فيه، وإن بدَّل فلكل امرىء ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله.

ثم أمره فختم الكتاب، وخرج به إلى الناس، فبايعوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015