إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همَّ بالهجرة تقلَّد سيفه، وتنكب فرسه، وانتضى فى يده أسهمًا، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعًا، ثم صلى ركعتين عند المقام، ثم أتى حلقهم واحدة واحدة، فقال: شاهت الوجوه، مَن أراد أن تثكله أمه، ويؤتم ولده، وترمل زوجته فليلقنى وراء هذا الوادى، فما تبعه منهم أحد.

قال ابن إسحاق: هاجر عمر وزيد ابنا الخطاب، وسعيد بن زيد، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة، وخنيث بن حذافة، وواقد بن عبد الله، وخولى وهلال ابنا أبى خولى، وعياش بن أبى ربيعة، وخالد، وإياس وعاقل بنو الكبير، فنزلوا على رفاعة بن المنذر فى بنى عمرو بن عوف.

وشهد عمر، رضى الله عنه، مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وبيعة الرضوان، وخيبر، والفتح، وحنينًا، والطائف، وتبوك، وسائر المشاهد، وكان شديدًا على الكفار والمنافقين، وهو الذى أشار بقتل أسارى بدر، ونزل القرآن على وفق قوله فى ذلك، وكان عمر ممن ثبت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أُحُد.

وأما زهده وتواضعه، فمن المشهورات التى استوى الناس فى العلم بها. قال طلحة ابن عبد الله: كان عمر أزهدنا فى الدنيا، وأرغبنا فى الآخرة. وقال سعد بن أبى وقاص: قد علمت بأى شىء فضلنا عمر، كان أزهدنا فى الدنيا.

وروينا أن عمر دخل على ابنته حفصة، فقدمت إليه مرقًا باردًا وصبت عليه زيتًا، فقال: إدامان فى إناء واحد، لا آكله حتى ألقى الله عز وجل. وعن أنس، قال: لقد رأيت فى قميص عمر أربع رقاع بين كتفيه. وعن أبى عثمان، قال: رأيت عمر يرمى الجمرة وعليه إزار مرقوع بقطعة جراب. وعن غيره أن قميص عمر كان فيه أربع عشرة رقعة أحدها من أدم.

وأما فضائل عمر الثابتة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى الصحيح، فأكثر من أن تحصر، منها عن سعيد بن زيد أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، رضى الله عنهم، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: “أبو بكر فى الجنة، وعمر فى الجنة، وعثمان فى الجنة، وعلى فى الجنة، وطلحة فى الجنة، والزبير فى الجنة، وسعد بن مالك، هو ابن أبى وقاص، فى الجنة، وعبد الرحمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015