ولذلك لما قسموا السعادة جعلوها كلها في قوى النفس التي ذكرناها في أول الكتاب (وهي الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة) وأجمعوا على أن هذه الفضائل هي كافية في السعادة ولا يحتاج معها إلى غيرها من فضائل البدن ولا ما هو خارج البدن، فإن الإنسان إذا حصل تلك الفضائل لم يضره في سعادته أن يكون سقيما ناقص الأعضاء مبتلي بجميع أمراض البدن. اللهم إلا أن يلحق النفس منها مضرة في خاص أفعالها مثل فساد العقل ورداءة الذهن وما أشبهها. وأما الفقر والخمول وسقوط الحال وسائر الأشياء الخارجة عنها فليست عندهم بقادحة في السعادة ألبتة، وأما الرواقيون وجماعة من الطبيعيين فإنهم جعلوا البدن جزءا من الإنسان ولم يجعلوه آلة كما شرحناه فيما نقدم. فلذلك اضطروا إلى أن يجعلوا السعادة التي في النفس غير كاملة إذا لم يقترن بها سعادة البدن وما هو خارج البدن أيضا أعني الأشياء التي تكون بالبخت والجد، والمحققون من الفلاسفة يحقرون أمر البخت وكل ما يكون به ومعه ولا يؤهلون تلك الأشياء لإسم السعادة لأن السعادة شيء ثابت زائل ولا متغير وهي أشرف الأمور وأكرمها وأرفعها فلا يجعلون لأحسن الأشياء وهو الذي يتغير ولا يثبت ولا يتحصل بروية ولا فكر ولا يتأتى بعقل وفضيلة فيها نصيبا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015