ونعود إلى ذكر مراتب الحيوان فنقول: أن ما أهدى منها إلى الإزدواج وطلب النسل وحفظ الولد وتربيته والإشفاق عليه بالكن والعش واللباس كما نشاهد فيما يلد ويبيض وتغذيته إما باللبن وإما بنقل الغذاء إليه فإنه أفضل مما لا يهتدي إلى شيء منها. ثم لا تزال هذه الأحوال تتزايد في الحيوان حتى يقرب من أفق الإنسان فحينئذ يقبل التأديب ويصير بقبوله للأدب ذا فضيلة يتميز بها من سائر الحيوانات. ثم تتزايد هذه الفضيلة في الحيوانات حتى يشرف بها ضروب الشرف كالفرس والبازي المعلم. ثم يصير من هذه المرتبة إلى مرتبة الحيوان الذي يحاكي الإنسان من تلقاء نفسه ويتشبه به من غير تعليم كالقردة وما أشبهها ويبلغ من ذكائها ن تستكفي في التأدب بأن ترى الإنسان يعمل عملا فتعمل مثله من غير أن تحوج الإنسان إلى تعب بها ورياضة لها وهذه غاية أفق الحيوان التي أن تجاوزها وقبل زيادة يسيرة خرج بها عن أفقه وصار في أفق الإنسان الذي يقبل العقل والتمييز والنطق والآلات التي يستعملها والصور التي تلائمها. فإذا بلغ هذه الرتبة تحرك إلى المعارف واشتاق إلى العلوم وحدثت له قوى وملكات ومواهب من الله عز وجل يقتدر بها على الترقي والإمعان في هذه الرتبة كما كان ذلك في المراتب الأخرى التي ذكرناها،