فإذا يجب على العاقل أن يعرف ما ابتلى به الإنسان من هذه النقائص التي في جسمه وحاجاته الضرورية إلى إزالتها وتكميلها، أما بالغذاء الذي يحفظ به إعتدال مزاجه وقوام حياته فينال منه قدر الضرورة في كماله. ولا يطلب اللذة لعينها بل قوام الحياة التي تتبعه اللذة. فإن تجاوز ذلك قليلا فبقدر ما يحفظ رتبته في مروءته. ولا ينسب إلى الدناءة والبخل بحسب حاله ومرتبته بين الناس، وأما باللباس فالذي يدفع به أذى الحر والبرد ويستر العورة. فإن تجاوز ذلك فبقدر ما لا يستحقر ولا ينسب إلى الشح على نفسه وإلى أن يسقط بين أقرانه وأهل طبقته، وأما بالجماع فالذي يحفظ نوعه وتبقى به صورته، أعني طلب النسل فإن تجاوز ذلك فبقدر مالا يخرج به عن السنة ولا يتعدى ما يملكه إلى ما يملك غيره ثم يلتمس الفضيلة في نفسه العاقلة التي بها صار إنسانا وينظر إلى النقائص التي في هذه النفس خاصة فيروم تكميلها بطاقته وجهده. فإن هذه الخيرات هي التي لا تستر وإذا وصل إليها لا يمنع عنها الحياء ولا يتوارى عنها بالحيطان والظلمات ويتظاهر بها أبدا بين الناس وفي المحافل. وهي التي يكون بها بعض الناس أفضل من بعض وبعضهم أكثر إنسانية من بعض ويغذوا هذه النفس بغذائها الموافق لها المتم لنقصانها كما يغذو تلك بأغذيتها الملائمة لها.