إلى الإدهان المتوسطة إلى أن تنتهي إلى الإحتكاك فإن الإحتكاك وإن كان ضعيفا في توليد النار فربما قوى حتى تلتهب منه الإجمة العظيمة. وكفاك مثل السحاب الذي هو من البخارين كيف يحتك حتى تنقدح بينهما النيران وينزل منهما الصواعق التي لا يثبت أثرها شيء من المواد ولا يفارق ما يتعلق به حتى يصير رميما وإن كان جبلا أطلسا وحجرا أصم.

وأما بقراطس فإنه قال إني للسفينة إذا عصفت الرياح وتلاطمت عليها الأمواج وقذفت بها إلى اللجج التي كالجبال أرجى مني للغضبان الملتهب.

وذلك أن السفينة في تلك الحال يلطف لها الملاحون ويخلصونها بضروب الحيل وأما النفس إذا استشاطت غضبا فليس يرجى لها حيلة ألبتة.

وذلك أن كل ما رجة به الضغب من التضرع والمواعظ والخضوع يصير له بمنزلة الجزل من الحطب يوهجه ويزيده إشتعالا. أما أسبابه المولدة له فيه العجب. والإفتخار. والمراء. واللجاج. والمزاح. والتيه. والإستهزاء. والغدر. والضيم. وطلب الأمور التي فيها لذة ويتنافس فيها الناس ويتحاسدون عليها. وشهوة الإنتقام غاية لجميعها لأنها بأجمعها تنتهي إليه ومن لواحقه الندامة وتوقع المجازاة بالعقاب عاجلا وآجلا وتغير المزاج وتعجل الألم. وذلك أن الغضب جنون ساعة وربما أدى إلى التلف بإختناق لحرارة القلب وربما كان سببا لأمراض صعبة مؤدية إلى التلف. ثم من لواحقه مقت الأصدقاء وشماتة الأعداء وإستهزاء الحساد والأردال من الناس. ولكل واحد من هذه الأسباب وإماطتها فقد أوهنا قوة الغضب وقطعنا مادتها وأمنا غائلتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015