وأشار في كتابه هذا بان يختار من يحب أن يبرأ من العيوب صديقا كاملا فاضلا فيخبره بعد طول المؤانسة إنه إنما يعرف صدق مودته إذا أصدقه عن عيوبه حتى يتجنبها ويأخذ عهده على ذلك ولا يرضى منه إذا قال له لا أعرف لك عيبا بل ينكر عليه ويعلمه أنه قد أتهمه بالخيانة ويعاود مسئلته والإلحاح عليه.
فإذا لم يخبره من عيوبه زاد في العتب الصريح وافلحاح قليلا فإذا أخبره ببعض ما يعثر عليه منه فلا يظهر له في وجهه أو كلامه نكرة ولا انقباضا بل يبسط له وجهه ويظهر السرور بما أخرجه إليه ونبهه عليه ويشكره على الأيام وفي أوقات المؤانسة ليتطرق له إلى إهداء مثله إليه ثم يعالج ذلك العيب بما يزيل أثره ويمحو ظله ليعلم ذلك المهدي إليك عيبك أنك من وراء نفسك وفي طريق علاج مرضك فلا ينقض عن معادوتك ونصيحتك.
وهذا الذي أشار به جالينوس معوز غير موجود ولا مطموع فيه. وفلعل العدو في هذا الموضع أنفع من الصديق فإن العدو لا يحتشمنا في إظهار عيوبنا بل يتجاوز ما يعرف منا إلى التحرض والكذب فيها.
فلنتنبه على كثير من عيوبنا من جهتها بل نتجاوز إلى ذلك أن نتهم نفوسنا بما ليس فيها. ولجالينوس أيضا مقالة يقول فيها أن خيار الناس ينتفعون بأعدائهم وهذا صحيح لا يخالفه فيه أحد وذلك لما ذكرناهز فأما ما اختاره أبو يوسف بن إسحاق الكندي في ذلك فهو ماحكاه بألفاظه وهو هذا قال: (ينبغي لطالب الفضيلة لنفسه أن يتخذ صور جميع معارفه من الناس مرآة له تريه صور كل واحد منهم عندما تعرض له آلام الشهوات التي تثمر السيئات حتىلا يغيب عنه شيء من السيئات التي له.