وإن كان مبدؤها من المزاج ومن الحواس كالخور الذي مبدأه ضعف حرارة القلب مع الكسل والرفاهي وكالعشق الذي مبدأه النظر مع الفراغ والبطالة قصدنا أيضا علاجه بما يخص هذه.

وأيضا لما كان طب الأبدان ينقسم بالقسمة الأولى إلى قسمين أحدهما حفظ صحتها إذا كانت حاضرة والآخر ردها إليها. إذا كانت غائبة وجب أن نقسم طب النفسو هذه القسمة بعينها فنردها إذا كانت غائبة ونتقدم في حفظ صحتها إذا كانت حاضرة فنقول إذا كانت خيرة فاضلة تحب نيل الفضائل وتحرص على إصابتها وتشتاق إلى العلوم الحقيقية والمعارف الصحيحة فيجب على صاحبها أن يعاشر من يجانسه ويطلب من يشاكله. ولا يأنس بغيرهم ولا يجالس سواهم. ويحذر كل الحذر من معاشرة أهل الشر والمجون والمجاهرين بإصابة اللذات القبيحة وركوب الفواحش المتفتخرين بها المنهمكين فيها ولا يصغى إلى أخبارهم مسطيبا ولا يروى أشعاهم مستحسنا ولا يحضر مجالسهم مبتهجا. وذلك أن حضور مجلس واحد من مجالسهم وسماع خبر واحد من أخبارهم يعلق من وضره ووسخه بالنفس ما لا يغسل عنها إلا بالزمان الطويل والعلاج الصعب وربما كان سببا لفساد الفاضل المحنك وغواية العالم المستبصر حتى يصير فتنة لهما فضلا عن الحدث الناشىء المسترشد.

والعلة في ذلك أن محبة اللذات البدنية والراحات الجسمية طبيعة للإنسان لأجل النقائص التي فيه فنحن بالجبلة الأولى والفطرة السابقة إلينا نميل إليها ونحرص عليها وإنما نزم أنفسنا عنها بزمام العقل حتى نقف عند ما يرسم لنا ونقتصر على المقدار الضروري منها. وإنما استتنيت في أول هذا الكلام وشرطت بما شرطت لأن معاشرة الأصدقاء الذين ذكرت أحوالهم في المقالة المتقدمة وحكمت بتمام السعادة معهم ولهم. لا تتم إلا بالمؤانسة والمداخلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015