وأما الصديق الأول الذي ذكرنا وصفه فلا يمكن أن يكون كثيرا لعزته ولأنه محبوب بإفراط وإفراط المحبة لا يصح ولا يتم إلا لواحد. وأما حسن العشرة وكرم اللقاء والسعي لكل أحد بسيرة الصديق الحقيقي فمبذول لأجل طلب الفضيلة ولأنا قد قلنا فيما تقدم أن الرجل الخير الفاضل يسلك في عشرة معارفه مسلك الصديق وإن لم تتم الصداقة الحقيقية فيهم. وارسطوطاليس يقول: (إن الإنسان محتاج إلى الصديق عند حسن الحال وعند سوؤ الحال. فعند سوء الحال يحتاج إلى معونة الأصقاء وعند حسن الحال يحتاج إلى المؤانسة وإلى من يحسن إليه) .
ولعمري ان الملك العظيم يحتاج إلى من يصطنعه ويضع إحسانه عنده كما أن الفقير من الناس يحتاج إلى صديق يصطنعه ويضع عنده المعروف. قال (ومن أجل فضيلة الصداقة يشارك الناس بعضهم بعضا ويتعاشرون عشرة جميلة ويجتمعون في الرياضات والصيد والدعوات، وأما سقراطيس فإنه قال بهذه الألفاظ: (إني لأكثر التعجب ممن يعلم أولاده أخبار الملوك ووقع بعضهم ببعض وذكر الحروب والضغائن ومن انتقم أو وثبت على صاحبه ولا يخطر ببالهم امر المودة وأحاديث الألفة وما يحصل من لخيرات العامة لجميع الناس بالمحبة والأنس. وأنه لا يستطيع أحد من الناس أن يعيش بغير المودة وإن مالت إليه الدنيا بجميع رغائبها. فإن ظن أحد أن أمر المودة صغير فالصغير من ظن ذلك. وإن قدر أنه موجود ويسير الخطب يدرك بالهوينا فما أصعبه وما أعسر وجود صداقة يوثق بها عند البلوى) ثم قال: (لكني أعتقد وأقول أن قدر المودة وخطرها عندي أعظم من جميع ذهب كنوز قارون ومن ذخائر الملوك ومن جميع ما يتنافس فيه أهل الأرض من