والدليل على صحة ما ذهبنا إليه أنا وجدنا جواب العلماء إذا نسبت بأن يقولون إذنا بالأمر بالشيء، أو لا طريق إلى إيقاع الجواب إلا على الحد الذي يقتضيه السؤال، فإذا ثبت هذا كان سائر ما يصدر عن إمامنا من الأجوبة بهذا علما للحتم والفرض، ولا أعلم خلافا بين أصحابنا أنه إذا قال هذا لا يعجبني أن ذلك مستحق به النهي عن الشيء، ذلك أمر الوصية وقسمة الفرائض وما جانبها، فإذا ثبت هذا كان ما ذكرناه في بابه أصلا. ثم بعد هذا فالذي يدلك على صحة ما ذكرناه إنا وجدنا هذا اللفظ دخل في الشريعة علما بعين الشيء بمثابة تسمية بيان الأسماء فيه. ألا ترى إلى قوله تعالى في قصة إبراهيم في البشرى {أتعجبين من أمر الله} حيث قالت أألد؟ فكان الاسم في أتعجبين علما بمثابة الصريح.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى {إن هذا لشيء عجاب} بمثابة الصريح كأنهم قالوا: إن هذا لشيء منكر، فعبر عنه بالتعجب.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى: {بل عجبت ويسخرون} يريدون بذلك إذنا لما في ذلك من الإمكان، فإذا ثبت هذا علمت أن هذا اللفظ شرعا جائز إيقاع الجواب به، وفيه علما للحكم لا غير ذلك.
ومن أدل الأشياء أنا وجدنا الأصول بذلك واردة أنهم يقولون أتيت عجبا إذا أتى منكرا، أو يقولون: لا يعجبنا هذا. كما يقولون: لا نرضى لك ولا يصلح لك. ويقولون ما أعجب ما رأيناه منك. كل ذلك بمثابة النكير بلفظ الصريح، وقد يقبلون إلى موجب المدح بأن يقولون أما زيد ما يعجبنا، فإذا ثبت هذا الحد علمت إذا قال لا يعجبني أنه علم الرد، وإذا قال: يعجبنا أن يفعل كأنه أثره بالفعل، فإذا ثبت هذا كان ما ذكرناه سالما.