وأما أمر النفساء فقالوا: ليس ذلك بواجب، وإنما هو على حد الاختيار لا غير ذلك، ومن ذهب إلى هذا احتج بإن لفظ الإيجاب لا يكون بأن يقول احتياطا، وإنما تدخلت هذه اللفظة على حد التوقي لا غير ذلك. وهذا كله فلا وجه له.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه أن اللفظ الذي يتحتم به الفعل له دخل في الإتساع فقد نفع به الأمر، ولعل موجبه بالاحتياط ويعلل بما يدخل من السكون والمعوزات والمجوزات ويعتبر ذلك من اللفظ الداخل على حد التفرقة والسبق، ألا ترى إلى قوله تعالى {ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها}. ومن ذلك أيضا قوله تعالى: {ذلك أدنى أن لا تعولوا}. ومن ذلك أيضا قوله تعالى: {وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله}. ونظائر ذلك وإن كان بلفظ التقريب والتسيف في التقدمة فإنه مستحق به الحتم والإيجاب. ومن السنة أيضا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في غشل اليدين ثلاثا لا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده. فإذا تبثث هذه الأصول فإن ما ذكرناه من الجواب مقرونا بالاحتياط إنه على الحتم والإيجاب وبالله التوفيق.
فأما الجواب عن الذي قالوه من أن لفظ الإيجاب الحتم والاحتياط علما للاستحباب، فذلك لا يؤثر شيئا إذ لا ينكر أن تكون علة الإيجاب الاحتياط