وَهَذَا الْجَمْعُ عَلَى أَنَّ وَاحِدَهُ فُقْوَةٌ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْمُفَضَّلِ الضَّبِّيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنْشِدُ بَيْتَ الْفَرَزْدَقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ: «أَهْوَنُ فُقْوَةٍ عَلَيْكَ» ، وَكَأَنَّ مَنْ قَالَ: «فُقْوَةً» قَلَبَ الْحَرْفَ، فَنَقَلَ اللَّامَ إِلَى مَوْضِعِ الْعَيْنِ مِنَ الِاسْمِ، كَمَا يُقَالُ: جَذَبَهُ فُلَانٌ وَجَبَذَهُ. وَإِنَّمَا أَرَادَ عَبْدُ اللَّهِ فِيمَا نَرَى بِقَوْلِهِ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ: مَا قَصَّرْنَا وَلَا تَرَكْنَا الْجَهْدَ عَنِ الِاخْتِيَارِ لِلْأُمَّةِ أَفْضَلَهَا وَأَرْفَعَهَا سَهْمًا وَنَصِيبًا وَحَظًّا فِي الْإِسْلَامِ وَالْخَيْرِ وَالسَّابِقَةِ وَالْفَضْلِ. وَأَمَّا قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالُوا لِمُوسَى: سَلْ لَنَا رَبَّكَ فَلْيُخْبِرْنَا بِآيَةِ غَضَبِهِ عَلَيْنَا وَآيَةِ رِضَاهُ عَنَّا، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: بِآيَةِ غَضَبِهِ، بِعَلَامَةِ غَضَبِهِ، وَالْآيَةُ هِيَ الْعَلَامَةُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى:
[البحر الطويل]
أَلَا أَبْلِغَا هَذَا الْمُعَرِّضَ آيَةً ... أَيَقْظَانُ قَالَ الْقَوْلَ إِذْ قَالَ: أَمْ حَكَمْ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: آيَةً، عَلَامَةً، وَمَنْ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: آيَةُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي عَلَامَةُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ