بِالْوَفَاءِ بِهِ من حلف الْجَاهِلِيَّة، وَقد علمت أَن الْقَوْم إِنَّمَا كَانُوا يتعاقدون بَينهم على أَن يَرث بَعضهم بَعْضًا، وَيكون بَعضهم عونا لبَعض على من أرادوه بظُلْم أَو أَرَادَهُم بذلك أَن يُوفي بِشُرُوطِهِ الَّتِي كَانُوا تعاقدوه عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة؟

بالوفاء به من ذلك هو ما لم يفسخه الإسلام ولم يبطله حكم القرآن وهو التعاون على الحق والنصرة على الأخذ على يد الظالم الباغي فإن قال فإن هذا حق لكل مسلم على كل مسلم فما المعنى الذي خص به في الجاهلية حتى وجب من أجله الوفاء به ونهى عن

قيل: إِن الَّذِي أَمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْوَفَاءِ بِهِ من ذَلِك هُوَ مَا لم يفسخه الْإِسْلَام، وَلم يُبطلهُ حكم الْقُرْآن، وَهُوَ التعاون على الْحق، والنصرة على الْأَخْذ على يَد الظَّالِم الْبَاغِي. فَإِن قَالَ: فَإِن هَذَا حق لكل مُسلم على كل مُسلم فَمَا الْمَعْنى الَّذِي خص بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة حَتَّى وَجب من أَجله الْوَفَاء بِهِ، وَنهى عَن مثله فِي الْإِسْلَام استئنافه؟ وَهل على مُسلم من حرج فِي معاقدة إخْوَان لَهُ من أهل الْإِسْلَام على التناصر إِن بغى أحدا مِنْهُم أحد بظُلْم أَو قَصده بِسوء؟

قيل: إِن ذَلِك من معنى مَا ذهب إِلَيْهِ بعيد.

وَإِنَّمَا معنى قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا كَانَ من حلف فِي الْجَاهِلِيَّة، فَتمسكُوا بِهِ " إِنَّمَا هُوَ الْحلف على النُّصْرَة من بَعضهم لبَعض فِي الْحق، وَذَلِكَ، وَإِن كَانَ وَاجِبا على كل مُسلم لكل مُسلم، فَإِن على الحليف من ذَلِك لحليفه من وجوب حق نصرته على من بغاه بظُلْم دون سَائِر النَّاس غَيره مَا يجب للقريب على قَرِيبه، والنسيب على نسيبه، دون سَائِر النَّاس غَيره.

أنه قال من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا

وَإِن نابته نائبة من عَدو لَهُ قَصده بظُلْم من الدفاع عَنهُ، فَلهُ من استصراخه عَلَيْهِ بِمَا قد نهي عَن استصراخ عشيرته وقبيلته بِمثلِهِ، وَذَلِكَ أَن الْأَخْبَار متظاهرة عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " من تعزى بعزاء الْجَاهِلِيَّة، فأعضوه بِهن أَبِيه وَلَا تكنوا ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015