أن لا يكون له علة قابلية، فهو ليس بواجب الوجود على هذا التأويل ولكنه مع هذا قديم لا فاعل له. فما المحيل لذلك؟
فإن قيل: واجب الوجود المطلق هو الذي ليس له علة فاعلية ولا قابلية. فإذا سلم أن له علة قابلية فقد سلم كونه معلولاً.
قلنا: تسمية الذات القابلة علة قابلية من اصطلاحكم، والدليل لم يدل على ثبوت واجب وجود بحكم اصطلاحكم وإنما دل على إثبات طرف ينقطع به تسلسل العلل والمعلولات ولم يدل إلا على هذا القدر، وقطع التسلسل ممكن بواحد له صفات قديمة لا فاعل لها كما لا فاعل لذاته ولكنها تكون متقررة في ذاته. فليطرح لفظ واجب الوجود فإنه ممكن التلبس فيه، فإن البرهان لم يدل إلا على قطع التسلسل ولم يدل على غيره البتة. فدعوى غيره تحكم.
فإن قيل: كما يجب قطع التسلسل في العلة الفاعلية يجب قطعها في القابلية، إذ لو افتقر كل موجود إلى محل يقوم فيه وافتقر المحل أيضاً للزم التسلسل كما لو افتقر كل موجود إلى علة وافتقرت العلة أيضاً إلى علة.
قلنا: صدقتم، فلا جرم قطعنا هذا التسلسل أيضاً وقلنا: إن الصفة في ذاته وليس ذاته قائماً بغيره، كما أن علمنا في ذاتنا وذاتنا محل له وليس ذاتنا في محل. فالصفة انقطع تسلسل علتها الفاعلية مع الذات إذ لا فاعل لها كما لا فاعل للذات، بل لم تزل الذات بهذه الصفة موجودة بلا علة له ولا لصفته. وأما العلة القابلية لم ينقطع تسلسلها إلا على الذات. ومن أين يلزم أن ينتفي المحل حتى تنتفي العلة؟ والبرهان ليس يضطر إلا إلى قطع التسلسل. فكل طريق أمكن قطع التسلسل به فهو وفاء بقضية البرهان الداعي إلى واجب الوجود.