الحاصل له فوق كل كمال فإحبابه وعشقه لذلك الكمال فوق كل إحباب والتذاذه به فوق كل التذاذ، بل لا نسبة لذاتنا إليها البتة، بل هي أجل من أن يعبر عنها باللذة والسرور والطيبة.
إلا أن تلك المعاني ليس لها عبارات عندنا، فلا بد من الإبعاد في الاستعارة كما نستعير له لفظ المريد والمختار والفاعل منا مع القطع ببعد إرادته عن إرادتنا وبعد قدرته وعلمه عن قدرتنا وعلمنا، ولا بعد في أن يستبشع عبارة اللذة فيستعمل غيره.
والمقصود أن حالته أشرف من أحوال الملائكة وأحرى بأن يكون مغبوطاً، وحالة الملائكة أشرف من أحوالنا، ولو لم تكن لذة إلا في شهوة البطن والفرج لكان حال الحمار والخنزير أشرف من حال الملائكة وليس لها لذة، أي للمبادئ من الملائكة المجردة عن المادة، إلا السرور بالشعور بما خص بها من الكمال والجمال الذي لا يخشى زواله. ولكن الذي للأول فوق الذي للملائكة، فإن وجود الملائكة التي هي العقول المجردة وجود ممكن في ذاته واجب الوجود بغيره، وإمكان العدم نوع شر ونقص، فليس شيء بريئاً عن كل شر مطلقاً سوى الأول فهو الخير المحض وله البهاء والجمال الأكمل. ثم هو معشوق عشقه غيره أو لم يعشقه كما أنه عاقل ومعقول عقله غيره أو لم يعقله. وكل هذه المعاني راجعة إلى ذاته وإلى إدراكه لذاته وعقله له، وعقله لذاته هو عين ذاته فإنه عقل مجرد، فيرجع الكل إلى معنى واحد.
قولنا سنبين بذلك ما لا يصح على أصلهم وما هو فاسد فهذا طريق تفهيم مذهبهم،