ليس هو غافلاً عنه وليس كارهاً له، بل هو عالم بأن كماله في فيضان الكل عنه. فيجوز بهذا المعنى أن يقال: هو راض، وجاز أن يقال للراضي: إنه مريد. فلا تكون الإرادة إلا عين القدرة ولا القدرة إلا عين العلم ولا العلم إلا عين الذات، فالكل إذن يرجع إلى عين الذات.
...
وهذا لأن علمه بالأشياء ليس مأخوذاً من الأشياء، وإلا لكان مستفيداً وصفاً أو كمالاً من غيره وهو محال في واجب الوجود. ولكن علمنا على قسمين: علم شيء حصل من صورة ذلك الشيء كعلمنا بصورة السماء والأرض، وعلم اخترعناه كشيء لم نشاهد صورته ولكن صورناه في أنفسنا ثم أحدثناه. فيكون وجود الصورة مستفاداً من العلم، لا العلم من الوجود، وعلم الأول بحسب القسم الثاني، فإن تمثل النظام في ذاته سبب لفيضان النظام عن ذاته.
...
نعم لو كان مجرد حضور صورة نقش أو كتابة خط في نفوسنا كافياً في حدوث تلك الصورة، لكان العلم بعينه منا هو القدرة بعينها والإرادة بعينها. ولكنا لقصورنا فليس يكفي تصورنا لإيجاد الصورة، بل نحتاج مع ذلك إلى إرادة متجددة تنبعث من قوة شوقية ليتحرك منهما معاً القوة المحركة للعضل والأعصاب الآلية. فيتحرك بحركة العضل والأعصاب اليد أو غيره، ويتحرك بحركته القلم أو آلة أخرى خارجة، وتتحرك المادة بحركة القلم كالمادة أو غيره ثم تحصل الصورة المتصورة في نفوسنا. فلذلك لم يكن نفس وجود هذه الصورة في نفوسنا قدرة ولا إرادة بل كانت القدرة فينا عند المبدأ المحرك للعضل، وهذه الصورة محركة لذلك المحرك الذي هو مبدأ القدرة، وليس كذلك في واجب الوجود فإنه ليس مركباً من أجسام تنبث القوى في أطرافه، فكانت القدرة والإرادة والعلم والذات منه واحداً.
...
وإذا قيل له: حي، لم يرد به إلا أنه عالم عليماً يفيض عنه الموجود الذي يسمى فعلاً له، فإن الحي هو الفعال الدراك، فيكون المراد به ذاته مع إضافة إلى الأفعال على الوجه الذي ذكرناه، لا كحياتنا فإنها لا تتم إلا بقوتين مختلفتين ينبعث عنهما الإدراك والفعل،