والخامس كثرة تلزم من جهة تقدير ماهية وتقدير وجود لتلك الماهية. فإن للإنسان ماهية قبل الوجود، والوجود يرد عليها ويضاف إليها. وكذى المثلث مثلاً له ماهية وهو أنه شكل يحيط به ثلاثة أضلاع، وليس الوجود جزءاً من ذات هذه الماهية مقوماً لها، ولذلك يجوز أن يدرك العاقل ماهية الإنسان وماهية المثلث، وليس يدري أن لهما وجوداً في الأعيان أم لا. ولو كان الوجود مقوماً لماهيته لما تصور ثبوت ماهيته في العقل قبل وجوده. فالوجود مضاف إلى الماهية سواء كان لازماً بحيث لا تكون تلك الماهية إلا موجودة كالسماء، أو عارضاً بعد ما لم يكن كماهية الإنسانية من زيد وعمرو وماهية الأعراض الصور الحادثة. فزعموا أن هذه الكثرة أيضاً يجب أن تنفى عن الأول.
فيقال: ليس له ماهية الوجود مضاف إليها، بل الوجود الواجب له كالماهية لغيره. فالوجود الواجب ماهية وحقيقة كلية وطبيعة حقيقية كما أن الإنسانية والشجرية والسمائية ماهية، إذ لو ثبت ماهية لكان الوجود الواجب لازماً لتلك الماهية غير مقوم لها، واللازم تابع ومعلول فيكون الوجود الواجب معلولاً وهو مناقض لكونه واجباً.
ومع هذا فإنهم يقولون للباري: إنه مبدأ وأول وموجود وجوهر وواحد وقديم وباق وعالم وعقل وعاقل ومعقول وفاعل وخالق ومريد وقادر وحي وعاشق ومعشوق لذيذ وملتذ وجواد وخير محض. وزعموا أن كل ذلك عبارة عن معنى واحد لا كثرة فيه، وهذا من العجائب. فينبغي أن نحقق مذهبهم للتفهيم أولاً ثم نشتغل بالاعتراض، فإن الاعتراض على المذاهب قبل تمام التفهيم رمي في عماية.
...
والعمدة في فهم مذهبهم أنهم يقولون: ذات المبدأ واحد وإنما تكثر الأسامي بإضافة شيء إليه أو إضافته إلى شيء أو سلب شيء عنه، والسلب لا يوجب كثرة في ذات المسلوب عنه، ولا الإضافة توجب كثرة،