في وقتين إذ السواد والحركة في محل واحد في وقت واحد هما اثنان لاختلاف ذاتيهما. أما إذا لم يختلف الذاتان كالسوادين ثم اتحد الزمان والمكان، لم يعقل التعدد ولو جاز أن يقال: في وقت واحد في محل واحد: سوادان، لجاز أن يقال في حق كل شخص: إنه شخصان، ولكن ليس يبين بينهما مغايرة.
وإذا استحال التماثل من كل وجه، ولا بد من الاختلاف، ولم يمكن بالزمان ولا بالمكان، فلا يبقى إلا الاختلاف في الذات. ومهما اختلفا في شيء فلا يخلوا إما أن اشتركا في شيء أو لم يشتركا في شيء. فإن لم يشتركا في شيء فهو محال إذ يلزم أن لا يشتركا في الوجود ولا في وجوب الوجود ولا في كون كل واحد قائماً بنفسه لا في موضوع. وإذا اشتركا في شيء واختلفا في شيء كان ما فيه الاشتراك غير ما فيه الاختلاف فيكون ثم تركيب وانقسام بالقول.
...
وواجب الوجود لا تركيب فيه، وكما لا ينقسم بالكمية فلا ينقسم أيضاً بالقول الشارح إذ لا يتركب ذاته من أمور يدل القول الشارح على تعدده كدلالة الحيوان والناطق على ما تقوم به ماهية الإنسان فإنه حيوان وناطق. ومدلول لفظ الحيوان من الإنسان غير مدلول لفظ الناطق، فيكون الإنسان متركباً من أجزاء تنتظم في الحد بألفاظ تدل على تلك الأجزاء ويكون اسم الإنسان لمجموعه. وهذا لا يتصور، ودون هذا لا تتصور التثنية.
قولنا هذا النوع من التركيب ليس من المحال في المبدأ الأول والجواب أنه مسلم أنه لا تتصور التثنية إلا بالمغايرة في شيء ما وأن المتماثلين من كل وجه لا يتصور تغايرهما. ولكن قولكم: إن هذا النوع من التركيب محال في المبدأ الأول، تحكم محض. فما البرهان عليه؟
ولنرسم هذه المسألة على حيالها فإن من كلامهم المشهور أن المبدأ الأول لا ينقسم بالقول الشارح كما لا ينقسم بالكمية، وعليه ينبنى إثبات وحدانية الله عندهم.
قولهم الوحدة في الله تنفي الكثرة بل زعموا أن التوحيد لا يتم إلا بإثبات الوحدة لذات الباري