كانت المقدرات أيضاً بعضها عللاً لبعض فالإنسان قد يفرض ذلك في وهمه، وإنما الكلام في الموجود في الأعيان لا في الأذهان.
لا يبقي إلا نفوس الأموات. وقد ذهب بعض الفلاسفة إلى أنها كانت واحدة أزلية قبل التعلق بالأبدان وعند مفارقة الأبدان تتحد فلا يكون فيه عدد، فضلاً من أن توصف بأنه لا نهاية لها. وقال آخرون: النفس تابع للمزاج وإنما معنى الموت عدمها ولا قوام لها بجوهرها دون الجسم. فإذن لا وجود في النفوس إلا في حق الأحياء، والأحياء الموجودون محصورون ولا تنتفي النهاية عنهم، والمعدمون لا يوصفون أصلاً لا بوجود النهاية ولا بعدمها، إلا في الوهم إذا فرضوا موجودين.
قولنا هذا ما أوردناه على ابن سينا والفارابي الخ.
والجواب: إن هذا الإشكال في النفوس أوردناه على ابن سينا والفارابي والمحققين منهم إذ حكموا بأن النفس جوهر قائم بنفسه وهو اختيار أرسطاليس والمعتبرين من الأوائل.
ونقول لغيرهم عوض النفس قدروا أي حادث لا ينقضي. ومن عدل عن هذا المسلك فنقول له: هل يتصور أن يحدث شيء يبقى أم لا؟ فإن قالوا: لا، فهو محال، وإن قالوا: نعم، قلنا: فإذا قدرنا كل يوم حدوث شيء وبقاءه اجتمع إلى الآن لا محالة موجودات لا نهاية لها. فالدورة وإن كانت منقضية فحصول موجود فيها يبقي ولا ينقضى غير مستحيل. وبهذا التقدير يتقرر الإشكال. ولا غرض في أن يكون ذلك الباقي نفس آدمي أو جني أو شيطان أو ملك أو ما شئت من الموجودات. وهو لازم على كل مذهب لهم، إذ أثبتوا دورات لانهاية لها.