فنقول: الناس فرقتان: فرقة أهل الحق وقد رأوا أن العالم حادث وعلموا ضرورة أن الحادث لا يوجد بنفسه فافتقر إلى صانع، فيعقل مذهبهم في القول بالصانع، وفرقة أخرى هم الدهرية وقد رأوا العالم قديماً كما هو عليه ولم يثبتوا له صانعاً، ومعتقدهم مفهوم وإن كان الدليل يدل على بطلانه. وأما الفلاسفة فقد رأوا أن العالم قديم ثم أثبتوا له مع ذلك صانعاً، وهذا المذهب بوضعه متناقض لا يحتاج فيه إلى إبطال.
فإن قيل: نحن إذا قلنا: للعالم صانع، لم نرد به فاعلاً مختاراً يفعل بعد أن لم يفعل كما نشاهد في أصناف الفاعلين من الخياط والنساج والبناء، بل نعني به علة العالم ونسميه المبدأ الأول على معنى أنه لا علة لوجوده وهو علة لوجود غيره، فإن سميناه صانعاً فبهذا التأويل.
وثبوت موجود لا علة لوجوده يقوم عليه البرهان القطعي على قرب، فإنا نقول: العالم وموجوداته إما أن يكون له علة أو لا علة له. فإن كان له علة فتلك العلة لها علة أم لا علة لها؟ وكذى القول في علة العلة: فإما أن يتسلسل إلى غير نهاية وهو محال، وإما أن ينتهي إلى طرف فالأخير علة أولى لا علة لوجودها، فنسميه المبدأ الأول. وإن كان العالم موجوداً بنفسه لا علة له فقد ظهر المبدأ الأول، فإنا لم نعن به إلا موجوداً لا علة له، وهو ثابت بالضرورة.
نعم لا يجوز أن يكون المبدأ الأول هي السموات لأنها عدد، ودليل