الثاني
في إبطال كون العالم فعلاً لله على أصلهم بشرط في الفعل، وهو أن الفعل عبارة عن الأحداث، والعالم عندهم قديم وليس بحادث، ومعنى الفعل إخراج الشيء من العدم إلى الوجود بإحداثه. وذلك لا يتصور في القديم إذ الموجود لا يمكن إيجاده. فإذن شرط الفعل أن يكون حادثاً، والعالم قديم عندهم، فكيف يكون فعلاً لله؟
فإن قيل: معنى الحادث موجود بعد عدم، فلنبحث أن الفاعل إذا أحدث كان الصادر منه المتعلق به الوجود المجرد أو العدم المجرد أو كلاهما. وباطل أن يقال: إن المتعلق به العدم السابق إذ لا تأثير للفاعل في العدم، وباطل أن يقال: كلاهما إذ بان أن العدم لا يتعلق به أصلاً، وأن العدم في كونه عدماً لا يحتاج إلى فاعل البتة، فبقي أنه متعلق به من حيث أنه موجود، وأن الصادر منه مجرد الوجود، وأنه لا نسبة إليه إلا الوجود. فإن فرض الوجود دائماً فرضت النسبة دائمة، وإذا دامت هذه النسبة كان المنسوب إليه أفعل وأدوم تأثيراً لأنه لم يتعلق العدم بالفاعل بحال.
فبقي أن يقال: إنه متعلق به من حيث أنه حادث، ولا معنى لكونه حادثاً إلا أنه وجود بعد عدم، والعدم لم يتعلق به، فإن جعل سبق العدم وصف الوجود وقيل: المتعلق به وجود مخصوص لا كل وجود وهو وجود مسبوق بالعدم، فيقال: كونه مسبوقاً بالعدم ليس من فعل فاعل وصنع صانع، فإن هذا الوجود لا يتصور صدوره من فاعله إلا والعدم سابق عليه، وسبق العدم ليس