ليعلم أن هذه المسألة فرع الأولى، فإن العالم عندهم كما أنه أزلي لا بداية لوجوده فهو أبدي لا نهاية لآخره، ولا يتصور فساده وفناؤه بل لم يزل كذلك ولا يزال أيضاً كذلك.
وأدلتهم الأربعة التي ذكرناها في الأزلية جارية في الأبدية، والاعتراض كالاعتراض من غير فرق. فإنهم يقولون: إن العالم معلول علته أزلية أبدية، فكان المعلول مع العلة. ويقولون: إذا لم تتغير العلة لم يتغير المعلول. وعليه بنوا منع الحدوث، وهو بعينه جار في الانقطاع. وهذا مسلكهم الأول.
ومسلكهم الثاني أن العالم إذا عدم فيكون عدمه بعد وجوده، فيكون له بعد ففيه إثبات الزمان.
وهو فاسد لأنه لا يستحيل بقاء العالم أبداً: ويعرف الواقع من الشرع
ومسلكهم الثالث إن إمكان الوجود لا ينقطع. فكذلك الوجود الممكن يجوز أن يكون على وفق الإمكان. إلا أن هذا الدليل لا يقوى، فإنا نحيل أن يكون أزلياً ولا نحيل أن يكون أبدياً لو أبقاه الله تعالى أبد، إذاً ليس من ضرورة الحادث أن يكون له آخر، ومن ضرورة الفعل أن يكون حادثاً وأن يكون له أول. ولم يوجب أن يكون للعالم لا محالة آخر إلا أبو الهذيل العلاف، فإنه قال: كما يستحيل في الماضي دورات لا نهاية لها فكذلك في المستقبل، وهو فاسد لأن كل المستقبل قط لا يدخل في الوجود لا متلاحقاً ولا متساوقاً، والماضي قد دخل كله في الوجود متلاحقاً وإن لم يكن متساوقاً. وإذا تبين أنا لا نبعد بقاء العالم أبداً من حيث العقل بل نجوز بقاءه وإفناءه، فإنما يعرف الواقع من قسمي الممكن بالشرع فلا يتعلق النظر فيه بالمعقول.