الرابع
وهو أنهم قالوا: كل حادث فالمادة التي فيه تسبقه، إذ لا يستغني الحادث عن مادة، فلا تكون المادة حادثة وإنما الحادث الصور والأعراض والكيفيات على المواد.
...
وبيانه أن كل حادث فهو قبل حدوثه لا يخلوا إما أن يكون ممكن الوجود أو ممتنع الوجود أو واجب الوجود، ومحال أن يكون ممتنعاً لأن الممتنع في ذاته لا يوجد قط، ومحال أن يكون واجب الوجود لذاته فإن الواجب لذاته لا يعدم قط، فدل أنه ممكن الوجود بذاته. فإذن إمكان الوجود حاصل له قبل وجوده، وإمكان الوجود وصف إضافي لا قوام له بنفسه، فلا بد له من محل يضاف إليه، ولا محل إلا المادة فيضاف إليها كما نقول: هذه المادة قابلة للحرارة والبرودة أو السواد والبياض أو الحركة والسكون، أي ممكن لها حدوث هذه الكيفيات وطريان هذه التغيرات، فيكون الإمكان وصفاً للمادة. والمادة لا يكون لها مادة، فلا يمكن أن تحدث، إذ لو حدثت لكان إمكان وجودها سابقاً على وجودها وكان الإمكان قائماً بنفسه غير مضاف إلى شيء، مع أنه وصف إضافي لا يعقل قائماً بنفسه.
ولا يمكن أن يقال إن معنى الإمكان يرجع إلى كونه مقدوراً وكون القديم قادراً عليه، لأنا لا نعرف كون الشيء مقدوراً إلا بكونه ممكناً. فنقول: هو مقدور لأنه ممكن، وليس بمقدور لأنه ليس بممكن. فإن كان قولنا: هو ممكن، يرجع إلى أنه مقدور، فكأنا قلنا: هو مقدور لأنه مقدور وليس بمقدور لأنه ليس بمقدور، وهو تعريف الشيء بنفسه. فدل أن كونه ممكناً قضية أخرى في العقل ظاهرة بها تعرف القضية الثانية وهو كونه مقدوراً.
...
ويستحيل أن يرجع ذلك إلى علم القديم بكونه ممكناً، فإن العلم يستدعي معلوماً. فالإمكان المعلوم غير العلم