إليه بالتقدير، فيكون قدر إمكان هو ضعف إمكان آخر، ولا بد من إمكان آخر هو ضعف الكل.
...
فهذا الإمكان المقدر المكمم الذي بعضه أطول من البعض بمقدار معلوم لا حقيقة له إلا الزمان، فليست هذه الكميات المقدرة صفة ذات الباري تعالى عن التقدير ولا صفة عدم العالم، إذ العدم ليس شيئاً حتى يتقدر بمقادير مختلفة، والكمية صفة فتستدعى ذا كمية، وليس ذلك إلا الحركة، والكمية إلا الزمان الذي هو قدر الحركة. فإذن قبل العالم عندكم شيء ذو كمية متفاوتة وهو الزمان. فقبل العالم عندكم زمان.
الاعتراض أن كل هذا من عمل الوهم، وأقرب طريق في دفعه المقابلة للزمان بالمكان. فإنا نقول: هل كان في قدرة الله أن يخلق الفلك الأعلى في سمكه أكبر مما خلقه بذراع؟ فإن قالوا: لا، فهو تعجيز. وإن قالوا: نعم، فبذراعين وثلاثة أذرع، وكذلك يرتقي إلى غير نهاية. ونقول: في هذا إثبات "بعد" وراء العالم له مقدار وكمية، إذ الأكبر بذراعين ما كان يشغل ما يشغله الأكبر بذراع، فوراء العالم بحكم هذا كمية فتستدعي ذاكم وهو الجسم أو الخلاء. فوراء العالم خلاء أو ملاء، فما الجواب عنه؟
...
وكذلك هل كان الله قادراً على أن يخلق كرة العالم أصغر مما خلقه بذراع ثم بذراعين؟ وهل بين التقديرين تفاوت فيما ينتفي من الملاء والشغل للأحياز؟ إذ الملاء المنتفي عند نقصان ذراعين أكثر مما ينتفي عند نقصان ذراع، فيكون الخلاء مقدراً، والخلاء ليس بشيء، فكيف يكون مقدراً؟ وجوابنا في تخييل الوهم تقدير الإمكانات الزمانية قبل وجود العالم كجوابكم في تخييل الوهم تقدير الإمكانات المكانية وراء وجود العالم، ولا فرق.
فإن قيل: نحن لا نقول: إن ما ليس بممكن فهو مقدور، وكون العالم أكبر مما هو عليه ولا أصغر منه ليس بممكن فلا يكون مقدوراً.