تلي الدقيق فوقاً إلى حيث ينتهي والجانب الآخر تحتاً، لم يظهر بهذا اختلاف ذاتي في أجزاء العالم بل هي أسامي مختلفة قيامها بهيئة هذه الخشبة، حتى لو عكس وضعها انعكس الاسم والعالم لم يتبدل. فالفوق والتحت نسبة محضة إليك لا تختلف أجزاء العالم وسطوحه فيه. وأما العدم المتقدم على العالم والنهاية الأولى لوجوده ذاتي لا يتصور أن يتبدل فيصير آخراً، ولا العدم المقدر عند إفناء العالم الذي هو عدم لاحق يتصور أن يصير سابقاً. فطرفا نهاية وجود العالم الذي أحدهما أول والثاني آخر طرفان ذاتيان ثابتان لا يتصور التبدل فيه بتبدل الإضافات البتة بخلاف الفوق والتحت.
فإذن أمكننا أن نقول: ليس للعالم فوق ولا تحت ولا يمكنكم أن تقولوا: ليس لوجود العالم "قبل" ولا "بعد". وإذا ثبت القبل والبعد فلا معنى للزمان سوى ما يعبر عنه بالقبل والبعد.
قلنا: لا فرق فإنه لا غرض في تعيين لفظ الفوق والتحت، بل نعدل إلى لفظ الوراء والخارج ونقول: للعالم داخل وخارج، فهل خارج العالم شيء من ملاء أو خلاء؟ فسيقولون: ليس وراء العالم لا خلاء ولا ملاء. وإن عنيتم بالخارج سطحه الأعلى فله خارج، وإن عينتم غيره فلا خارج له. فكذلك إذا قيل لنا: هل لوجود العالم "قبل"؟ قلنا: إن عني به: هل لوجود العالم بداية أي طرف منه ابتدأ، فله "قبل" على هذا كما للعالم خارج على تأويل أنه الطرف المكشوف والمنقطع السطحي. وإن عنيتم بقبل شيئاً آخر، فلا "قبل" للعالم، كما أنه إذا عني بخارج العالم شيء سوى السطح قيل: لا خارج للعالم. فإن قلتم: لا يعقل مبتدأ وجود لا "قبل" له، فيقال: ولا يعقل متناهى وجود من الجسم لا خارج له. فإن قلت: خارجه سطح الذي هو منقطعه لا غير، قلنا: قبله بداية وجوده الذي هو طرفه لا غير.
بقي أنا نقول: لله وجود ولا عالم معه. وهذا القدر أيضاً لا يوجب إثبات شيء آخر، والذي يدل على أن هذا عمل الوهم أنه مخصوص بالزمان والمكان. فإن الخصم، وإن اعتقد قدم الجسم، يذعن وهمه لتقدير حدوثه. ونحن، وإن اعتقدنا